الاثنين، 12 مارس 2012

العودة إلى هرجيسا (2)

كنا يا سادة قد ذكرنا في المدونة السابقة بأن هيبان أوصلني إلى المطار و ودعني على أمل اللقاء في ظروف أفضل بعيدا عن زحمة الأسفار. حالما نزلت من السيارة تقدم نحوي عامل هندي و هو يجر عربة فارغة. فسألني أي طيران أريد؟ فقلت له: طيران دالو, فأخذ بناصية العربة بعدما وضع العفش فيها و انطلق داخل المطار و انطلقت وراءه. كان المكان مزدحما خاصة بالمغاربة و الوريات ( الوريا لفظ يطلق على الرجل الصومالي و هي تقابل كلمة زول لدى السودانين و كلمة زلمة لدى الشوام) , وكان مكتوبا على عدة كاونترات حوالي الخمسة منها ( الدار البيضاء ) بينما كان مكتوب على كاونتر واحد فقط ( بربرة) رغم أننا متجهون إلى هرجيسا و البعض إلى مقديشو!. 


طبعا صفوف الوريات لم تكن منتظمةفدخلت في إحدى الصفوف بالقوة, ففي مثل هذه الظروف إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب. تسللت بهدوء شديد و بلباقة بين الجموع و تقدمت على الكثيرين ممن قدموا قبلي. ثم وزنت الحقيبتان التي معي, الوزن تقريبا كان في حدود 48 كغ و المسموح به هو فقط 30 كلغ رغم أن الخطوط السعودية دوليا تسمح ب 40 كغ. المهم طلب مني أن أدفع ثمن ال 18 كغ الزائد فطلب مني 180 ريالاً , سألت الرجل عن إمكانية الحصول على تخفيض ما ؟ فقال مباش رة ادفع 110 ريال. لم أصدق العرض فدفعت فورا رغم أنني لو استمررت في المفاصلة لحصلت على سعر أقل من ذلك. مثلما قعلت امرأة صومالية كانت بجانبي و كانت تردد بأنها مريضة و عندها مرض الكلى, الرجل يطلب منها 400 ريال و هي تقول ما في إلا 200 ريال و قالت بان لديها أربعة تذاكر. 


المهم الرجل السعودي كان طيبا و يسمح بالوزن الزائد بأسعار زهيدة, رغم أن بعض الوريات لا يستحقون هذه المعاملة فالبعض يحضر بضاعة بقالة كاملة ( حليب, عصير, كراتين لها أول و ليس لها آخر ). بعدما أنهيت وزن العفش دخلت إلى صالة المغادرة و اشتريت ساعة جلدية أعجبتني , اشتريتها رغم علميالمسبق أنها لن تغادر هرجيسا فمن المؤكد أنني سأهديها لأحدهم خلعة أو هدية. بعد ذلك ذهبت لشراء دونات شكولاتة و الشاهي عديس ( شاي بالحليب) السعر كان 11 ريالا بينما ممكن الممكن أن أحصل على هذه الوجبة بالأحوال العادية برياليين فقط. أنا الآن في انتظار الطائرة و الساعة تشير إلى الرابعة و الثلث فجراً بتوقيت مكة المكرمة. أرى حولي العديد من الجنسيات ( سعودي , مصري , إيراني , مغربي , صومالي ). الجميع متحفز للحديث عن السياسة (أعني الوريات) و الكل يبدي رأيه في حكومة كلميه الجديدة و البعض غاضب لأنه لم يجد وزيرا من قبيلته. الغريب في الأمر أن الكل يطالب الرئيس بحكومة مصغرة و ذو كفائة عالية و حبنما يلبى لهم طلبهم إذا هم يسخطون!. 


في الساعة الخامسة و النصف فجراً تمت المناداة على ركاب الطائرة فأسرعت لتأدية صلاة الفجر و عدت مسرعاً حتى أقف في الطابور. كان يقف خلفي رجلان سعوديان ذاهبان إلى هرجيسا في رحلة عمل. ركبنا الباص الذي يفترض أن يقلنا حتى طائرة دالو المتوارية في آخر المطار, و تبادلنا أطراف الحديث أحدهما سبق له القدوم إلى هرجيسا أما الآخر فكان يأتي للمرة الأولى. القديم كان يتحدث و يقول  نحن ذاهبون إلى دولة الإساق و أن الصومال قديما كانت دولة و أن الإساق هم السبب في الإطاحة بالحكومة الصومالية و أن صوماليلاند ما هي إلا إساق لاند . تفاجأت بمنطقة فهززت رأسي و قلت له: أكيد واحد مجيرتين لعب عليك و بدأت أشرح له رغم أنه كان واضحا تأثره بوجهة نظر أهل بوصاصو التي يزورها باستمرار. و عندما اقتربنا من الطائرة قال لصاحبه: ( دعنا نصمت الآن فقد دخلنا دولتهم ) فقلت له : ( الإنتقاد لا بأس فيه و نحن أمة دمقراطية قل ما تشاء حتى لو تنتقد الرئيس نفسه ). 


دخلنا الطائرة و طبعا كما هي العادة ( من سبق لحق ) لا يوجد نظام أو أرقام للجلوس اجلس حيث شئت. و كان العفش كثيرا لدرجة أنهم أحضروا جزءا من العفش وسدوا به جزءا من الممر الداخلي للطائرة. بعض العائلات كانت تركب خطوط دالو للمرة الاولى و كانوا يتذمرون كثيرا من رائحة السمن و الغنم بالإضافة إلى الكراسي المتهالكة. أما أنا فكنت أجلس بكل هدوء و سكينة فقد تعودت على مثل هذه الأجواء منذ زمن بعيد. وحينما بدأت الطائرة في الإقلاع  أكاد أقسم بأنني أحسست و كأن أحدهم يدفها من الخلف و أقرب وصف لما حدث ( عملية التنتيع ) للكرسيدا القديمة. توكلنا على الله و أقلعنا في تمام السادسة صباحا تم تشغيل المكيفات هنا أحسست بالإنتعاش,  وصلنا إلى جيبوتي في الساعة 8:30 صباحا وانتظرنا حوالي النصف ساعة حيث ركب بعض الركاب الجدد من جيبوتي ثم أقلعنا مجددا إلى هرجيسا. وصلنا إلى هرجيسا في الساعة العاشرة صباحا إلا ربع , و حينما نزلنا من الطائرة شعرت بكتلة هواء منعش تصتدم في وجوهنا.




دفعت 30 دولارا حتى يتم صرفها بنسبة منخفضة يذهب ريعها للدولة بالإضافة إلى دفع 20 ألف شلن لدائرة الهجرة, حالما دفعت المبالغ المطلوبة و حصلت على الصرف ذهبت للبحث عن شنطي ووجدت في استقبالي أبي العزيز و أخي الصغير إبراهيم , و كما هي العادة وجدت أحد مندوبي شركة تيليسوم ناولني دليلا لأهم الهواتف للوزارات و الفنادق بالإضافة إلى شريحة جوال مجانية مشحونة بكرت شحن بقيمة دولارين. عدنا للمنزل و كانت الوالدة و الأهل و الإخوان في استقبالي سلمت عليهم جميعا واتجهت إلى جدتي العزيزة للسلام عليها فعاجلتني برمي الفشار و الحلويات فوق رأسي قبل أن أنحني و أقبل رأسها و يديها. تبادلت أطراف الحديث مع الأهل قليلا و فتحت الشنطة لتوزيع الهدايا على الجميع رغم أنني اكتشفت أنه قد سرق مني جوال سامسونج أحضرته هدية لأخي عبدالرحمن و أظنه سرق مني في مطار جدة. صليت صلاة الظهر و عدنا للغداء اللذيذ و الطبخ الذي افتقدته طويلا في الغربة وكان عبارة عن الأرز مع اللحم الشهي, أكلت حتى شبعت ثم نمت نوما طويلا حتى صلاة المغرب  فقد كنت متعبا و منهكا من عناء السفر الطويل ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق