سبق لي و أن كتبت سلسلة متكونة من 5 أجزاء أو مواضيع عن رحلاتي إلى هرجيسا و كتبتها على طريقة ألف ليلة و ليلة, كان ذلك خلال مشاركتي في أحد المنتديات القريبة إلى قلبي ( منتديات كرباش). السلسلة طويلة و في نفس الوقت جميلة و ما سأكتبه اليوم ليس من ضمن تلك السلسلة التي كتبتها سابقا. بل هي عبارة عن مسودات كتبتها في آخر رحلة ذهبتها إلى هرجيسا رمضان عام 2010 و كنت على إستعداد لكتابتها في المنتدى و لكن قدر الله و ما شاء فعل أن عدت من هرجيسا و المنتدى قد أغلق إلى الآبد. و لحسن الحظ فقد كنت أحتفظ ببعض المواضيع القديمة و التي سأعيد نشر بعضها في هذه المدونة و من ضمنها الأجزاء الخمسة. حتى يحين ذلك الوقت دعني أقدم لكم وصفا دقيقا لما عايشته في طريق الذهاب إلى هرجيسا في آخر رحلة لي, لعل ما سأصفه هنا عايشه الكثيرون مثلي ممن سافروا إلى هرجيسا عبر طيران دالو الشهير خط جدة - هرجيسا.
مرة أخرى أسافر إلى أرض الوطن أصبح السفر إلى هنالك عادة سنوية, فقد سافرت خلال العقد الآخير مطلع الألفية خمسة مرات أي بمعدل 50%. رافقني أصدقائي الثلاثة إلى المطار هادكا و صديقي الإرتري وليد و صديقي السوداني النوبي محمد. فقد أوصلوني إلى مطار الدمام في الساعة السابعة و النصف مساءا. جلسنا نتبادل أطراف الحديث برهة من الزمن و أكثر ما سأفتقده في هذه الصحبة خلال الإجازة جلسات السمر و النقاشات المتنوعة خاصة فقرة ال ( Weird Question ) حيث أحصل بالعادة على جائزتها في طرح أغرب الأسئلة و في كثير من الأحيان تثير هذه الأسئلة الضحكات و قد تتساقط دمعة من هنا أو هناك لشدة الضحك.
ففي تلك الجلسات نتسامر و نبدي ملاحظات تملؤها براءة الطفولة و نناقشها من أبعاد علمية و إجتماعية. المهم تركوني وحيدا بعد برهة من الزمن حينما جاع أحدهم و لم أشأ أن أعطلهم عن أعمالهم , فنحن ما زلنا في منتصف الإسبوع و طريق المطار طويل. ودعتهم بحرارة خاصة ابن العم هادكا و تابعتهم و هم يختفون في الآفق نازليين بالسلالم الكهربائية. جلست انتظر النداء و في الأثناء صليت المغرب و العشاء ثم احتسيت كوبا من الشاهي عديس ( شاي بالحليب ) + بسكويت شكولاتة و التي حاولت بقدر الإمكان التلذذ بطعمها قبل أن أفقد هذا الطعم طوال الشهرين القادمين, و حينما تم النداء ذهبت إلى البوابة رقم 112 و المخصصة للرحلة المغادرة من الدمام إلى جدة في التاسعة و النصف مساءاً.
و بينما أقف في صف الإنتظار استعدادا للمرور بجهاز تفتيش العفش , تفاجأت برجل سوداني يطلب مني أن أساعد زوجته في حمل بعض الأمتعة و كان واضحا من نظراته أنه يستغيث بي كوني الأسمر الوحيد الواقف في الصف في تلك اللحظة من الزمن. أنا في هذه المرة كنت مقررا ألا أساعد أحدا بحمل العفش لأنني واجهت متاعب سابقة بهذا الخصوص, و لكن شهامتي غلبتني خاصة عندما احتاجتني امرأة مسكينة في عمر الوالدة. بعد انتهاء التفتيش حملت لها الشنطة وكانت ثقيلة جدا و كأن بها أثقالا من الحديد, بالإضافة للكرتون الذي كنت أحمله و به عدد من المصاحف المترجمة للغة الصومالية. المرأة السودانية عرضت مساعدتي في حمل الأغراض و لكنني رفضت ذلك رفضا قاطعا و قلت لها: ( و لا يهمك يا حاجة نحن في الخدمة و مازلنا شبابا ) فدعت لي بالصحة و العافية.
هنا بدأت أعاني من حجم مطار الدمام الكبير جدا فهو مطار واسع و مع الوقت بدأ ظهري يؤلمني ألما حاداً, و كان واضحا أنني أحمل الشنطة بطريقة خاطئة و لم أصدق نفسي حينما وصلنا إلى المضيفة الواقفة على باب الطائرة و وقفت قليلاً لكي ألتقط أنفاسي التي تكاد تتقطع. أوصلت المرأة إلى مقعدها و جلست في مقعدي مقابل النافذة , ارتحت قليلا ثم أخرجت الجوال لأستمع إلى بعض الاناشيد و الأغاني لتعديل المزاج. شعرت ببعض النعاس و غفوت قليلا لأستيقظ على توزيع الجرائد فأخذت جريدة الحياة , كوني قرأت جريدة الشرق الأوسط لهذا اليوم و هي جريدتي المفضلة. لم ألبث أن مللت سريعا من جريدة الحياة و التي لم تعد بنفس الجودة منذ أن تحولت نسختها من العالمية إلى المحلية. فتناولت كتابا كان بحوزتي اشتريته منذ سنتين من أديس أبابا (اثيوبيا) و اسمه " The Audacity of Hope" لباراك أوباما.
العشاء كان لذيذا خاصة اللحم مع الرز الأبيض أو لعله الجوع الذي جعلني أتذوق الطعام من منظور الجائع النهم. وبعد تناول وجبة العشاء شربت كوبا من الشاي الساخن و استأنفت قرأة الكتاب, وصلنا إلى مدينة جدة في الساعة ال 11:30 مساءاً. و كان في انتظاري الأخ صوماليلاندي " هيبان", ضاعت نصف ساعة أخرى و أنا أنتظر العفش. طبعا لم أترك المرأة السودانية لوحدها حتى أوصلت لها عفشها و أحضرت لها العربية. حينها نظرت إلى نظرة امرأة مغتبطة و سألتني هل أنا سوداني؟ لعلها استغربت من خدمتي لها و ظنت أن مثل هذا البر لا يتم إلا بين الأقارب و ذوي الأرحام. فأجبتها بالنفي و قلت لها أنا صومالي يا حاجة. فردت علي : " شكلك مألوف و لكن لهجتك مختلفة, وربنا يحفظ لك شبابك و صحتك يا ولدي. و سلم لي على ناس الصومال ".
ودعت تلك المرأة التي حتى لم أعرف اسمها و انطلقت أبحث عن عفشي الذي وجدته بعد عناء و مكابدة. و حالما وجدت عفشي خرجت مسرعا و التقيت بصوماليلاندي , و هي المرة الأولى التي نتقابل فيها. طبعا الأمر لا يحتاج إلى عناء كبير, مجرد شابين ذوا جبهتين كبيرتين وجدوا بعضهم بكل سهولة و يسر. لا داعي إلى اللافتات التي يكتبها البيض نحن علامتنا " علامة الجودة" الجبهة الصومالية الواسعة. عرض علي هيبان أن أعود معه إلى منزله ريثما يأتي موعد الطائرة و لكن لضيق الوقت اقترحت عليه أن نذهب إلى أحد المقاهي أو ال " Coffee Shop " المنتشرة في مدينة جدة لتبادل أطراف الحديث. و فعلا ذهبنا إلى أحدها و شربت كوبا من الكابتشينو اللذيذ بينما شرب هيبان القهوة التركية.
سبحان الله إن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تنافر منها اختلف, بدون أية مقدمات أو كلافة تبادلنا أطراف الحديث و كأننا أصدقاء منذ زمن بعيد. و حينما وصلت الساعة إلى الواحدة و النصف مساءاً اتجهنا جهة المطار الدولي و ودعت هيبان على أمل اللقاء مرة أخرى في ظروف أفضل بعيدا عن زحمة الأسفار.
يتبع...
الثلاثاء 3 أغسطس 2010
مرة أخرى أسافر إلى أرض الوطن أصبح السفر إلى هنالك عادة سنوية, فقد سافرت خلال العقد الآخير مطلع الألفية خمسة مرات أي بمعدل 50%. رافقني أصدقائي الثلاثة إلى المطار هادكا و صديقي الإرتري وليد و صديقي السوداني النوبي محمد. فقد أوصلوني إلى مطار الدمام في الساعة السابعة و النصف مساءا. جلسنا نتبادل أطراف الحديث برهة من الزمن و أكثر ما سأفتقده في هذه الصحبة خلال الإجازة جلسات السمر و النقاشات المتنوعة خاصة فقرة ال ( Weird Question ) حيث أحصل بالعادة على جائزتها في طرح أغرب الأسئلة و في كثير من الأحيان تثير هذه الأسئلة الضحكات و قد تتساقط دمعة من هنا أو هناك لشدة الضحك.
ففي تلك الجلسات نتسامر و نبدي ملاحظات تملؤها براءة الطفولة و نناقشها من أبعاد علمية و إجتماعية. المهم تركوني وحيدا بعد برهة من الزمن حينما جاع أحدهم و لم أشأ أن أعطلهم عن أعمالهم , فنحن ما زلنا في منتصف الإسبوع و طريق المطار طويل. ودعتهم بحرارة خاصة ابن العم هادكا و تابعتهم و هم يختفون في الآفق نازليين بالسلالم الكهربائية. جلست انتظر النداء و في الأثناء صليت المغرب و العشاء ثم احتسيت كوبا من الشاهي عديس ( شاي بالحليب ) + بسكويت شكولاتة و التي حاولت بقدر الإمكان التلذذ بطعمها قبل أن أفقد هذا الطعم طوال الشهرين القادمين, و حينما تم النداء ذهبت إلى البوابة رقم 112 و المخصصة للرحلة المغادرة من الدمام إلى جدة في التاسعة و النصف مساءاً.
أصدقائي الثلاثة و هم يختفون في الآفق
و بينما أقف في صف الإنتظار استعدادا للمرور بجهاز تفتيش العفش , تفاجأت برجل سوداني يطلب مني أن أساعد زوجته في حمل بعض الأمتعة و كان واضحا من نظراته أنه يستغيث بي كوني الأسمر الوحيد الواقف في الصف في تلك اللحظة من الزمن. أنا في هذه المرة كنت مقررا ألا أساعد أحدا بحمل العفش لأنني واجهت متاعب سابقة بهذا الخصوص, و لكن شهامتي غلبتني خاصة عندما احتاجتني امرأة مسكينة في عمر الوالدة. بعد انتهاء التفتيش حملت لها الشنطة وكانت ثقيلة جدا و كأن بها أثقالا من الحديد, بالإضافة للكرتون الذي كنت أحمله و به عدد من المصاحف المترجمة للغة الصومالية. المرأة السودانية عرضت مساعدتي في حمل الأغراض و لكنني رفضت ذلك رفضا قاطعا و قلت لها: ( و لا يهمك يا حاجة نحن في الخدمة و مازلنا شبابا ) فدعت لي بالصحة و العافية.
هنا بدأت أعاني من حجم مطار الدمام الكبير جدا فهو مطار واسع و مع الوقت بدأ ظهري يؤلمني ألما حاداً, و كان واضحا أنني أحمل الشنطة بطريقة خاطئة و لم أصدق نفسي حينما وصلنا إلى المضيفة الواقفة على باب الطائرة و وقفت قليلاً لكي ألتقط أنفاسي التي تكاد تتقطع. أوصلت المرأة إلى مقعدها و جلست في مقعدي مقابل النافذة , ارتحت قليلا ثم أخرجت الجوال لأستمع إلى بعض الاناشيد و الأغاني لتعديل المزاج. شعرت ببعض النعاس و غفوت قليلا لأستيقظ على توزيع الجرائد فأخذت جريدة الحياة , كوني قرأت جريدة الشرق الأوسط لهذا اليوم و هي جريدتي المفضلة. لم ألبث أن مللت سريعا من جريدة الحياة و التي لم تعد بنفس الجودة منذ أن تحولت نسختها من العالمية إلى المحلية. فتناولت كتابا كان بحوزتي اشتريته منذ سنتين من أديس أبابا (اثيوبيا) و اسمه " The Audacity of Hope" لباراك أوباما.
العشاء كان لذيذا خاصة اللحم مع الرز الأبيض أو لعله الجوع الذي جعلني أتذوق الطعام من منظور الجائع النهم. وبعد تناول وجبة العشاء شربت كوبا من الشاي الساخن و استأنفت قرأة الكتاب, وصلنا إلى مدينة جدة في الساعة ال 11:30 مساءاً. و كان في انتظاري الأخ صوماليلاندي " هيبان", ضاعت نصف ساعة أخرى و أنا أنتظر العفش. طبعا لم أترك المرأة السودانية لوحدها حتى أوصلت لها عفشها و أحضرت لها العربية. حينها نظرت إلى نظرة امرأة مغتبطة و سألتني هل أنا سوداني؟ لعلها استغربت من خدمتي لها و ظنت أن مثل هذا البر لا يتم إلا بين الأقارب و ذوي الأرحام. فأجبتها بالنفي و قلت لها أنا صومالي يا حاجة. فردت علي : " شكلك مألوف و لكن لهجتك مختلفة, وربنا يحفظ لك شبابك و صحتك يا ولدي. و سلم لي على ناس الصومال ".
سماء جدة صورة معبرة من داخل الطائرة قبل الهبوط
ودعت تلك المرأة التي حتى لم أعرف اسمها و انطلقت أبحث عن عفشي الذي وجدته بعد عناء و مكابدة. و حالما وجدت عفشي خرجت مسرعا و التقيت بصوماليلاندي , و هي المرة الأولى التي نتقابل فيها. طبعا الأمر لا يحتاج إلى عناء كبير, مجرد شابين ذوا جبهتين كبيرتين وجدوا بعضهم بكل سهولة و يسر. لا داعي إلى اللافتات التي يكتبها البيض نحن علامتنا " علامة الجودة" الجبهة الصومالية الواسعة. عرض علي هيبان أن أعود معه إلى منزله ريثما يأتي موعد الطائرة و لكن لضيق الوقت اقترحت عليه أن نذهب إلى أحد المقاهي أو ال " Coffee Shop " المنتشرة في مدينة جدة لتبادل أطراف الحديث. و فعلا ذهبنا إلى أحدها و شربت كوبا من الكابتشينو اللذيذ بينما شرب هيبان القهوة التركية.
سبحان الله إن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تنافر منها اختلف, بدون أية مقدمات أو كلافة تبادلنا أطراف الحديث و كأننا أصدقاء منذ زمن بعيد. و حينما وصلت الساعة إلى الواحدة و النصف مساءاً اتجهنا جهة المطار الدولي و ودعت هيبان على أمل اللقاء مرة أخرى في ظروف أفضل بعيدا عن زحمة الأسفار.
يتبع...
سلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ردحذفمبدع اخ ليبان بن برخد من يومك ايام كرباش ايام حلوه وذكريات جميله تذكرتها من شفت نكك وانا افرفر بالجوجل
اخوك لباح رومانسي